تعتبر مبيدات الحشرات أيضاً من الملوثات، وتعدّ بعض الحشرات من القديم مـن أنواع الآفات. وقد سُجّل منها حتى الآن (10 آلاف) نوع كآفات ضارة بالمحاصيل والحيوانات النافعة والإنسان والمنتجات المخزونة.
وقد ذكرت بعض التقارير أنه يوجد فـي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نحو (200) نوع من الآفات الحشريّة الخطيرة، ونحو (500) نوع آخر قد تُحدث أضراراً اقتصاديـة كبيرة، كما ويوجد بها نحو (300) نوع من النباتات تندرج تحت الحشائـش، وقرابـة (1800) نوع من النباتات تسبب أضراراً اقتصادية نتيجة لتأثيراتها علـى المحاصيل الزراعية ويوجد عدد كبير من النباتات المضرة، وهي تعدّ بالآلاف مثل الطحالب والنباتات الطفيلية والنباتات المفرزة للسموم.
وقد بلغ عـدد الأمراض النباتية التي تسببهـا الفطريات والمسجلّة في أمريكا زهاء (100 ألف) مرض مُعدي.
وكما خلق الله سبحانه وتعالى النباتات والحشـرات الضارة لمصلحة أهم، كذلك خلق أنواعاً كثيرة من النباتات والحشرات النافعة. وقد عدّ في إيران وحدها (100 ألف) نوع مـن النباتات والأعشاب النافعة لمختلف الأمراض. ولا عجب فـي ذلك فقد أحصى الأطباء القدامى الأمراض التي تصيب الإنسان بـ(24 ألف) نوع من المرض لكل واحد من السوداء والصفراء والبلغم والدم ستة آلاف مرض حسب إحصائهم.
وفـي التاريخ المدوّن(3) أن الإنسان كان منذ القدم وهو يعالج الآفات بالنباتات، وقد استخدم علماء الإسلام البصل العنصل لمكافحة الفئران، كما استعمل السومريّون سنـة 2500 قبـل الميـلاد مركبات الكبريت الطبيعية لمكافحة الحشرات، وفـي عام 1500 قبل الميلاد استخرج الصينيّون المبيدات الحشرية مـن مصادر نباتية، وقـد استخدموهـا لحماية بذور النباتات من الإصابات الحشريـة، وكذلك لتدخيل بعض النباتات المصابة ببعض الآفات الحشرية(4).
وفي سنة 300 بعد الميلاد أُدخلت طـرق مكافحة الحشرات من خلال مزارع المفترسات، حيث أطلق نوع النمـل المفترس علـى الخنافس الثاقبة لأشجار الفاكهة.
وقد أوصى جماعة من العلماء بعدم استخدام مبيدات الحشرات إلاّ عند الضرورة القصوى، وذلك في حالة فشل الطرق غير الكيماوية في منع بعض الآفات من إحداث أضرار اقتصادية، لكن نُظم المكافحة فـي الوقت الحاضر اتجهت إلـى استخدام المبيدات الكيماوية الـتي تميّزت بفاعليتها وبساطتها ورخص ثمنها وتوفّرهـا فـي الأسواق. وكان أول المركبات العضوية التي استخدمت لمكافحة الآفات مركب (دي دي تي)(5).
وقد أدى التطوّر السريع الذي حدث في الصناعات البتروكيماويات إلى إنتاج عدد هائل من المبيدات الكيماوية.
وقد ساعد نجاح أسلوب رشّ المبيدات بواسطة الطائرات على التوسع الهائل في استخدام المبيدات الكيماوية في المساحات الشاسعة من العالم التي تم زراعتها.
وبذلك كثر المحصول إذ كانت الحشرات والجراثيم قـد سببت خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية التي يعتبر البشر بأمسّ الحاجة إليها. وقد تبيّن أن الحشرات وغيرها من الآفات الزراعية تُتلف خُمس المحاصيل الزراعية في بعض البلدان، ففي الهند ـ مثـلاً ـ تستهلك الحشرات سنوياً كميّات من المحاصيل تكفي لتغذية تسعة ملايين إنسان. وفـي أمريكا تبيد الفطريات والحشرات والجراثيم ما قيمته خمس مليارات مـن الدولارات سنوياً، فضلاً عن الجهود الضخمة لمكافحة الآفات الزراعية.
وتستعمل المبيدات في الحال الحاضر فـي كافة أرجاء الكرة الأرضية، وقد بدت المكافحة الكيماوية فـي البداية فعّالة لدرجة أثار الاعتقاد بمقدرتها على التغلّب على مشكلات الآفات الزراعية بشكل نهائي، ولكن هذا العمل لم يدم طويلاً إذ سرعان مـا تبيّن أن المبيدات تنقذ المحاصيل والغابات والمروج من أخطار الأمراض، ولكنها مـن ناحية ثانية تؤدي إلى تخلخل النظام البيئي وتلوث الوسط البيئي وتؤثر بأشكال سلبية عديدة على حياة الإنسان وحياة الحيوانات والنباتات.
أضرار المبيدات الكيماوية
وقـد ازداد وبشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية استعمال المبيدات الكيماوية، وقد أخذت المجلات العلمية تنصح باستعمال مركبات مختلفة مثل (دي دي تي) وغيره، والتي استعملت لأكثر أمراض النباتات وضدّ الحشرات الضارة المختلفة، وأثمرت بنتائج كبيرة وأنقذت العديد من المحاصيل، وازداد إنتاج العالم من المبيدات بشكل كبير إذ وصل في سنوات 1370 ـ 1371هـ (1951 ـ 1952م) إلى أكثر من مائة ألف طن.
ومما لا شكّ فيه فإن المبيدات الكيماوية ساهمت وإلى حدّ بالغ الأهمية في القضاء على عدد كبير مـن أمـراض النباتات وقضت على الحشرات الناقلة للأمراض، كما وساهمت المبيدات الكيماوية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية في القضاء على وباء التيفوئيد وعلى مرض الملاريا، وذلك عن طريق القضاء على البعوض الناقل للأمراض، ويقدّر عـدد الذين نجوا بفضلها (5 ملايين) إنسان كمـا حالت دون حـدوث (100 مليون) إصابة، ولذا فقد أقبل المزارعون ومربّوا الماشية علـى استعمـال المبيـدات الكيماوية خاصة وإن جهودهم لمقاومة الحشرات كثيراً ما باءت بالفشل.
ولكن استعمال المبيدات له أضرار كبيرة حتى قال بعضهم: إن أمثال هذه المبيدات سوف تسمّم كل العالم وتصل إلى الإنسان والحيوان وغير ذلك مما يسبب مختلف الأمراض والأعراض.
وينجم خطر المبيدات مـن تركيبها الكيماوي، وهي تبقى فترة طويلة ربما (10 سنوات) أو أكثـر دون أن تتغيّر خواصّها الكيماوية، كما وإن تركيزها يزداد عبر انتقالها إلى السلسلة الغذائية ويتركّز في دهون الحيوانات.
ويؤدي استعمال المبيدات بدون رقابة علميـة شديدة إلى أضرار بالغة على النباتات، حيث يلاحظ في البداية تغيّر في لون الأوراق التي تغدو سمراء داكنة ومـن ثـمّ صفراء فاقعة كما وتتغيّر شدة التعرّق والتركيب الضوئي. فتفاعل الهرمونات ومن ثم موت النباتات. ولهذا لابدّ من معرفة تأثير المبيدات على النباتات وبشكل دقيق قبل استعمالها، أما تأثيرها على الإنسان فيتوقف على طبيعتها الكيماوية وعلى طريقة وصولها إلى الإنسان على شكل أبخرة أو ذرّات دقيقة عن طريق التنفّس أو مع المياه أو الأطعمة أو ما أشبه ذلك.
وهناك أنواع شتى من المبيدات الحشرية تختلف فـي تركيبها الكيماوي وفي آثارها السامّة، كما تختلف في شدّة تلويثها للبيئة، بالإضافة إلى تباينها في الخصائص المميّزة لها مثل ميلها للذوبان في الماء أو قابليتها للتبخر أو التطاير أو مقاومتها لعمليات التحلل الكيماوي المختلفة أو الصورة العامة التي تكون عليها. إذ يمكن أن يكون بصـورة مسحوق أو بصورة حبيبات أو بصورة محلول أو بصورة أبخرة أو بسائر الصور الأخرى.
ويستهلك العالم حالياً أكثر من (4 ملايين) طن من المبيدات الحشرية في كل سنة، ويزداد هذا القدر زيادة مطّردة عاماً بعد عام، ورغم ذلك فإن الحشرات ما زالت تقضي فعلياً على مـا ربما يصل إلى نصف كمية المحاصيل الزراعية قبل نضجها وحصادها.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قُدّر أن ما قيمته (500 ألف) طـن مـن المبيدات الحشرية يتم استعمالها سنوياً لإبادة الحشرات والقوارض والأحياء المجهرية التي تهاجم المحاصيل، وتكلّف هـذه الكميـة نحو مليونين ونصف المليون من الدولارات.
وفي الحرب العالمية الثانية كانت هذه المواد حكراً على الحلفاء، حيث استعمل على نطاق واسع في الاستخدامات المدنية مثل مكافحة الآفات التي لا علاقة لها بالصحة العامة كالذباب والبعوض والقمّل والقراد وما أشبه ذلك. كما استعمل للحدّ من وباء التيفوئيد في إيطاليا، واستعمل في حماية الجيوش في المحيط الهادي من بعوض الملاريا، وفي سنة 1370هـ (1950م) أدى استخدام هـذا المبيد في جزيرة سيلان (سريلانكا) إلـى خفض خطر مرض الملاريا مـن قرابة (3 ملايين) حالة إلى ما يقارب (7 آلاف) حالة. فقد استخدم الـ(دي دي تي) بشكل محاليل ومساحيق ودهونات، وهو يؤثر في الحشرات أثناء الملامسة، وهـو يعدّ أساساً من السموم العصبية وتتأثر أجزاء الجهاز العصبي المركزي بهذا المركب.
وقد أدى الإفراط فـي استخدام الـ(دي دي تي) إلى أن أصبح هناك العديد من سُلالات الحشرات المقاومة لتأثير المركب(6)، ولقد حدثت زيادة وبائية فـي الآفات غير الاقتصادية بعد استخدام (دي دي تي) في مصر مثل العنكبوت الأحمر والمنّ.
وهناك عـدة مشتقات للـ (دي دي تي) تؤدي نفـس المفعول وهي تتّصف بثباتها الشديد وبطأ تحلّلها فـي التربة، إلـى غير ذلك من المبيدات المختلفة، والتي لهـا آثار جانبية بالنسبة إلـى الإنسان والحيوان والنبات بل والتربة أيضاً(7).
أقسام المبيدات
ثمّ إن المبيدات على أقسام:
المبيدات العشبية والمبيدات الحشرية والمبيدات الكيماويـة، فالمبيدات العشبية أوّل ما استعملت كانت لإزالة الأعشاب الضارة من جوانب الخطوط الحديدية والخطوط العامة وأطراف الفنادق المبينة في الساحات والقضاء على الأعشاب الضارة التي تنمو في المزروعات المختلفة، كما وقد استعملت لإبادة المزروعات ولإسقاط أوراق الأشجار أثنـاء الحرب الفيتنامية، فإن للمبيدات العشبية تأثيرات كبيرة وخاصة فـي حال استعمالهـا لمقاومة نوع معين من الأعشاب الضارة، أما في حال استعمالها مـن الطائرات فإن تأثيرها يكون سلبيّاً إلى حد ما.
كما وإن هناك مبيدات تؤدي إلـى سوء نمو الثمار والمحاصيل، كما وتسبب أضراراً كبيرة على بشرة العمال الذيـن يصنعون بعض المواد أو يوزعونها، ولهذا فهي مـن المواد الخطرة. وقـد ازدادت المبيدات الحشرية بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية.
وتعتبر المبيدات الحشرية المنقذ الفعّال من الآفات الحشرية، ولكن كثيراً ما كانت لها نتائج خطيرة خاصة وإنّ تحلّلها يتم بشكل بطيء، وبالتالي يزداد تركيزها من عام لآخر سواء في التربة أو في الماء أو في أجسام الكائنات الحية لدرجة أن الباحثـين يعتقدون أن الوسط أصبح ملوثاً بهذه المواد الكيماوية، ولكن جملة من المواد تؤثر على صحة الإنسان والحيوان، فقد تجمعت حالياً الكثير من الحقائق عن تأثير المبيدات وخاصة الـ(دي دي تي) وغيرها على الجملة العصبيـة، وعلـى استقلاب الهرمونات الجنسية للثدييات والتي من ضمنها الإنسان نفسه.
ولذا ذكر جملة من الأطباء أن هذه المواد يجب أنّ لا تستعمل أكثر من مرتين، كما لابدّ من استبدالها بطرق أخرى غير ملوثة للوسط.
وتؤدي هذه المواد إلى تطور غير طبيعي لكثير من الكائنات الحية ذات الأهمية الاقتصادية، والـتي تعيش فـي الماء، كمـا وتؤدي إلى تقليل شدة التركيب الضوئي بشكل كبير وإلى نقص كمية الأوكسجين في الماء .
وقد استعمل الـ(دي دي تي) في الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على البعوض فـي مستنقعات خاصة، حيث رشّت هـذه المستنقعات عدّة سنوات و… وكان تركيز هـذه المادة قليـلاً بحيث لا يؤثر على الكائنات المائية، ولكن عند استعمال هذه المواد غاب عـن أذهان الباحثين أنها صعبة التفكّك، وأنها تبقى فترة زمنيـة طويلة محتفظة بسميّتها، وقد امتصت هذه المواد من قبل النباتات المائية الموجودة فـي هـذه المستنقعات ثم انـــتقلت إلى الأسماك التي تعيش على حساب النباتات وبعدها انتقلت إلى نسج الحيوانات المفترسة التي تأتي في قمة السلسلة الغذائية كالطيـور آكلة الأسماك، وكان تركيز هذه المواد يزداد في أجسام الحيوانات المفترسة. ونجم عن زيادة التركيز لـ(دي دي تي) في أجسام الحيوانات المفترسة إلى موت جماعات منها، كما وتبين أن للطيور حساسية كبيرة لهذه المواد لأنها تعيق تَشَكُّل قشرة البيضة كما وتؤثر بشكل كبير على الغُدد الصمّاء.
أما تأثير المبيدات الكيماوية، فقد ظهرت سنة 1380هـ (1961م) حالات تسمّم بين الثيران في مزرعة البحوث في مصر بعد تغذيها على الحصة التي سبق رشّها منـذ ثلاثة أسابيع بمزيج مـن الـ(دي دي تي). وتضمنت الأعراض حركات عصبيـة وتقلصات عضليـة بالرأس امتدت إلى عضلات الكتفين وزيادة حساسية الحيوانات وكثرة اللّعاب، وأصيبت الماشية في سنة 1388هـ ( 1968م) نتيجة رشّ حقول القطن بواسطة الطائرات.
وقد قام جماعة من العلماء في شمال (سانفرانسيسكو) بمشاهدة أعشاش الطيور في وقت من السنة الذي تكون فيهـا هذه الطيور قد اكتست بالرشّ وأخذت تستعد للطيران من أعشاشها.
وقد أثرت هذه المادة على بيوض الطيور حيث جعلتها رقيقة قابلة للكسر بسرعة، منها طيور البجع الذي يسبب فقس البيض بمجرد الرقود عليه.
كما ودلت البحوث على أن تركيزاً محدوداً من مادة (دي دي تي) يؤدي حتماً إلى موت 90% من يرقات وبيض المحّار. وقد حدّدت وزارة الصحة في أمريكا مبيداً كلوريّاً كمسبب لقتل (10 ملايين) سمكة في حوض نهر (المسيسيبي) و(خليج المكسيك).
كما وقد توصّل بعض الباحثين إلى أن الزراعة المميتة من الـ(دي دي تي)، التي لا تؤدي إلـى الموت تسبب خفـض نسبة التناسل لمختلف أنواع الحيوانات. وقد اكتشف جماعة مـن العلماء أن الفئران التي تغذّت بأغذية ملوثة ببعض المبيدات أصيبت بالسرطـان، ولذلك فقد حرّمت السلطات استخدامه كليّاً.
وعلى أي حال: فبعض المبيدات يجب منع استعمالها لضررها الفادح، والبعض الآخر يجب التقليل منها إلى أقصى حدّ في إطار باب التزاحم والأهم والمهم، فإن الإكثار من استخدامها يؤدي إلى تلوث التربة الزراعية، فغالباً ما يتبقى جزء كبير من هذه المبيدات في الأرض الزراعية، وقد تصل نسبته إلى نحو 15% من كمية المبيد المستعمل. ولا يزول أثر مثل هذه المبيدات المتبقية في التربة إلاّ بعد انقضاء مدة طويلة قـد تصل إلى أكثر من (10) سنوات. وقد تحمل مياه الأمطار بعض هذه المبيدات مـن التربة إلى المجاري المائية، وتسبب كثيراً من الأضرار لما بها من كائنات حية ثم تصل هذه المبيدات من الأحياء الموجودة في الماء إلى الطيور ومن الطيور إلى الإنسان.
وإذا كانت مبيـدات الآفـات تؤدي دوراً هاماً فـي حياة النباتات والأشجار، حين تؤدي إلى تقليل مخاطر الآفات الضارة مثل ذباب الفاكهة ودودة القطن، فإن الإفراط في استخدام هذه المبيدات من جانب وعدم ترشيد استعمالها وعدم التوعية بأضرارها من جانب آخر يؤدي حتماً إلى ظهور نتائج وخيمة بالغة الخطورة على صحة الإنسان والحيوان وعلى التربة الزراعية نفسها بالإضافة إلى تأثيرها بالنباتات. فالنباتات الـتي تزرع في التربة الملوثة بمبيدات الآفات تمتص جزءاً من هذه المبيدات وتختزنها في سوقها وأوراقها وثمارها، ثم تنتقل هذه المبيدات بعد ذلك إلى الحيوانات الـتي تتغذى بهذه النباتات وتظهر في ألبانها ولحومها وتسبب كثيراً من الأضرار لمـن يتناول لحوم هذه الحيوانات وألبانها، حتى إن هذه المبيدات تنتقل من ألبانها إلى صغارها، كما وتنتقل إلى الطيور عبر الحيوانات المتفسخة التي تحتوي على كمية من هذه المبيدات.
وتؤثر هذه المبيدات في الكائنات الدقيقـة الموجودة في التربة الزراعية، وينقسم العاملون في مجال وقايـة النباتات إلـى فريقين اثنين عند دراسة هذا التأثير، حيث يعتقد فريق منهمـا أن المبيدات لا تؤثر بدرجة خطرة في هذه المجال، وإنما أضرارها يسيرة، ويمكن تحمّلها وإزالتها بسبب الأدوية، ويرى الفريق الآخر أن وصول هذه المبيدات إلى التربة يؤثر في التوازن الموجود بين مكوّنات التربة الطبيعية والكيماوية، وهو أمر يؤدي إلى تقليل خصوبة التربة الزراعية وانخفاض إنتاجيّتها.
وقد أحدثت جميع المبيدات التي تمّ اختبارها تأثيرات ضارة في الكثير من الكائنات الدقيقة المفيدة التي تسهم في تكامل عناصر البيئة في التربة الزراعية، وخاصة خلال الأسابيع الأربعة الأولى من رشّ المبيدات.
كما وتبين أن المبيدات الحشرية الكيماويـة تتسبّب في قتل الكثير من الأحياء الدقيقة التي تستوطن التربة، والتي تسهـم فـي تحليل المواد العضوية والمخلّفات النباتية التي ينتج عنها العناصر الحية المكونـة للتربة الزراعية، فإن الكائنات الحية الدقيقة لها دورها المهم في التوازن الطبيعي للبيئة، فهي تسهم في تنقية الماء في كثير من عوامل التلوث، ذلك لأنها تساعد على الحفاظ على نسبة الأوكسجين الذائب في الماء.
وقد حدث في (نيكاراغوا) أنه وقعت أكثر من (3 آلاف) حالة تسمّم، وما يربو على (400) حالة وفاة بين العمال الذين يعملون في حقول القطن سنوياً على مدى عشر سنوات، كما وحدثت حالات مماثلة في بعض دول أمريكا الوسطى حيث يزرع القطن على نحو تجاري.
وفي الهند بلغـت حــــالات التسمّـم بالمبيدات نحو (100) حالة سنة 1378هـ (1958م) ونحو (54) حالة في سنة 1387هـ (1967م)، وفي سوريا بلغت عدد الحالات (1500) حالة في سنة 1380هـ.
ويتأثر الإنسان بهذه المبيدات بطريقة مباشرة إما عن طريق الملامسة أو عن طريق استنشاق أبخرة هذه المبيدات.
وقد يتأثر بها بطريقة غير مباشرة، فهو يتغذى بالحيوانات والنباتات، ويصل إليه مع هـذا الغذاء كلما يختزن من المبيدات في أنسجة هذه الحيوانات والنباتات، وكلّما يلـوث منتجاتها مثل البيض واللبن والزبد والدهن والجبن وما إلى ذلك، كما وتسبب مبيدات الآفات العديد من الأمراض الخطرة مثل السرطان، وقد أوضحـت الدراسات المخبرية إن الاستخدام المكثف لهذه المبيدات في حقول القطن فـي بعض الولايات الغربية أدى إلى حدوث أورام سرطانية في حيوانات التجارب.
وتمثّل مشكلة مخلفـات المبيدات فـي المحاصيـل الزراعية تحدياً هائلاً باستخدام المبيدات الكيماويـة، وتوجد هذه المخلفات عادة في الغذاء أو في الماء بكميات صغيرة لكنها ضارة على كل حال.
ثم إنه كثير ما تسبب الفطريـات الطفيلية خسارة فادحة في المحصول وهذه الأمراض يتم القضاء عليها بعدة مواد كيماوية مختلفة، فقد استعملت عدة مركبات تحتوي على النحاس بمختلف الآفات الزراعية والعفن التي تسببها الفطريات، وعند استعماله لمدة، تصبح التربة ملـوثة بالنحاس وتتأثر تبعاً لذلك البيئة الحيوانية فتنقـرض الديدان، ولكـن لا تأثير له على الأشجار الناضجة إلاّ تأثيراً ضعيفاً، ولا تتأثر البيئة المحيطة إلاّ تأثيراً ضئيلاً.
وكثير من المبيدات الفطرية العضوية لها تأثير ملحوظ خاصة في الحدائق ولكن بما إنّ الكمية العامة المستعملـة ليست كبيرة إذا ما قورنت ببعض المواد الأخرى ـ كما وإنها عموماً أعلى سعـراً ـ لذلك استعملت بكثير من الحذر ولاحتمال حدوث حالات تلوث خطيرة مـن جرّاء استعمالها، لكنّه ملوث أيضاً ومؤثر على التربة والزرع والحيوانات وأخيراً الإنسان.
وقد استعملت عدة مركبات يدخل في صنعها الزئبق كمبيدات فطرية، واستعمل أيضاً كمطهّر للإنسان وفـي الحدائـق بكميات كبيرة، وهكذا استعملت مركبات الزئبق العضوية في عملية تبخير الحبوب لدرجة إن حبوب القمح فـي بريطانيـا تبخّـر حسب طلب الزبائن، وعملية التبخير في هذه تستعمل لمنع إصابة الحبوب بالفطريات سواء كانت تسبب ضرراً أم لا في أي مجال، لكن الزئبق ملوِّث عـام، فهو يخزن ويتركز بواسطة الأحياء، وقد ينتقل ويتركز في سلسلة الغذاء، ولقـد كانت هناك الكثير من الحالات التي قامت بها الأسماك والقواقع بتركيز نسب عالية من الزئبق فحدثت حالات وفاة بالإضافة إلى حالات مرضية كثيرة بالنسبة إلـى من أكلوا هذه الأسماك أو القواقع.
والحالات الخطيرة من التلوث قـد حدثت نتيجة الاستعمال الصناعي ونتيجة صناعة الأخشاب أكثر مـن الكميات الصغيرة المستعملة في الزراعة. وقد تسمّمت بعض الطيور جرّاء أكل الحبوب المبخرَّة.
وفي بريطانيا يتم التبخير بواسطة مركبـات الزئبق خاصة والتي ليست حادة السميّة للفقاريات وإن كانت سميّة أيضاً، وتتخثّر خصوصاً بعد تركزها في الحيوان.
وتجارب الغذاء على الطيور توضح أنه أخطر من تعاطي جرعات مميتة، بينما استعمل في بعض الدول الأوربية مركـب الزئبق على نحو خاص بتوسع وهو سام جداً، وقد قتلت مـن جرّاء استعمالـه بعض الطيور بدرجة غير متوقعة.
ومن الواضح إنّ المركبـات الزئبقية مختلفة في خطورتها حسب تراكيبها المختلفة، وإحدى هذه المخاطر هـو تحللها وتغييرها عند وصولها للبيئة بفعل البكتيريا إلى نوع خطير من السموم.
وقد يحدث هذا في معدة الحيوان المجترّ التي يحدث التمثيل فيها أو في قاع البحيرة أو الطبقة العفنة، ولهذه الأسباب يجب بذل الجهود لتقليل نسبة الزئبق من ناحية، ومن ناحية ثانية الاستغناء عنه مهما أمكن، لأن ما أضرّ كثيرُهُ أضرّ قليله أيضاً لكن بنسبة.
وهذا ينطبق على الصناعة أكثر من الزراعة، كما إن كميات كبيرة من الزئبق الموجود في البرِّ أو البحر وجدت في الصخور بفعل الطقس، وقد مثّل أحد العلماء السلسلة الغذائية التي تتأثر بواسطـة المبيـدات بقوله إن حشرة صغيرة قد تأكل حافة أحـد أوراق النبات الملوث بالمبيد الحشري، ثم تأتي حشرة أكبر فتلتهم عدداً من هذه الحشرات الصغيرة، ويأتي بعد ذلك عصفور نهم فيأكل أعداداً كبيرة من هذه الحشرات، وأخيراً يأتي صقر مفترس فيلتهم هذا العصفور(
.
والملاحظ إن كل خطوة مـن هـذه الخطوات تؤدي إلى تركيز المبيد الحشري في جسم الحيوان، ويبلغ هذا التركيز حدّهُ الأقصى في جسم الحيوان الذي في نهاية السلسلة ويكون مأكولاً للإنسان. ويبدو تأثير هذه السلسلة في كثير من الأماكن ففي بحيرة (كلير) بولاية كاليفورنيا يستعمل بنسبة ضئيلة من مبيد الحشرات يماثـل الـ(دي دي تـي) يعرف باسم (دي دي دي) بتركيز لا يزيد عن 14% مـن المائة جزء فـي المليـون للقضاء على إحدى الكائنات غير المرغوب فيها، ووجودها في مياه هـذه البحيرة، ومع مضي الوقت لوحظ موت بعض الأسماك التي تعيش فـي هذه البحيرة كذلك بعض الطيور والبط البريّ.
وقد تبين في التحليل إن ماء البحيرة يحتوي على 14% من المائة جزء في المليون من هذا الجزء، إلاّ أن هـذه النسبة ارتفعت إلى (221 جزءاً) في المليون في الأسماك الكبيرة، وإلى نحو (2500 جزءاً) في المليون في الأنسجة الدهنية للبط البري الذي يعيش فوق سطح هذه البحيرة.
وقد تبين أن مبيد (دي دي تي) يدخل في العمليات الكيماوية المؤدية إلى تكوين عناصر الكالسيوم في أجسام الطيور، ويؤدي ذلك إلى وضع هذه الطيور بيض رقيق القشر لا يتحمل الصدمات، وقد يتهشم هذا البيض تحت ثقل جسم أنثى الطائر عندما تحتضنه للتدفئـة أو عندما تحرّكه لتجعلها ظهراً لبطن، مما ينتج عنه موت الأجنّة، وتتعرض هذه الطيور لخطر الانقراض.
ومن أمثلة الطيور التي أوشك بعضها علـى الانقراض لهذه الأسباب، النسر الأمريكي والصقر وطائر البليكان وغيرها.
وقد اكتشف المهتمّون بحماية الحياة البريّة وجـود قسم من المبيدات في بيض النوارس، وهو أمر يسبب فـي موت أجنَّة الطيور داخل البيض، كما وإنه تؤثر مبيدات الآفات في النحل والحشرات الملقّحة الأخرى، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض معدل التلقيح في الأزهار بالإضافة إلى ضعف قوة طوائف النحل نتيجة لموت عدد كبير مـن الشغّالات التي تقوم بجمع الرحيق، وقد ترتب على ذلك انخفاض مهول للعسل بالإضافة إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الحقلية والبستانية، وكثيراً مـا يدخل العسل مـن هـذه المبيدات فإذا أكله الإنسان تسبب له أمراضاً.
وقد ظهرت هذه المشكلة بصورة خطرة في مـــصر بعد تنفيذ نظام الرشّ الجوي للمبيدات بالطائرة والذي أدى إلى قلّة المحاصيل.
وعلى أي حال: فمن البديهي إنه كلّما كان تركيز المبيد عالياً كانت الآثار الضارة الناتجة عنه كبيرة، وكذلك كلّما طالت هذه المدة ازداد الأثر السيئ للمبيد، ولا فرق هنا إن كان استعمال المبيد عبر آلات ميكانيكية أم بالرشّ عبر الطائرات أم بالتعفير باليد.
ثم لا يخفى أن لكل نوع من التربة ونسبة الرطوبة فيها ودرجة حرارتها وكونها قريبة من الشمس كخط الاستواء أو بعيدة عنها دور كبير في حفاظ التربة مـن مبيدات الآفات التي تتساقـط فيها أو تتسرّب إليها عند استخدام المبيدات لقتل الآفات الزراعية.
كما أنه تختلف قدرة النباتات على امتصاص المبيدات الحشرية لاختلاف أنواعها، فمثلاً: زراعة أنواع مـن البطاطس والفجل والجزر في تربة زراعية عولجت بمبيد (الألدرين) بمعدل رطل في الفدّان، ووجد أن البطاطس لم تحتو على بقايا من هذا المبيد يمكن قياسه، في حين احتوى الفجل على 3% من المائة جزء في المليون من هذا المبيد. واحتـوى الجزر على 5%. وبناءً على ذلك فإن الجزر من بين جميع المحصولات التي أجريت عليها الدراسات يحتوي على أكثر تركيز من البقايا الكيماوية للمبيد الحشري الموجود في التربة.
ومن الواضح أنه يؤدي استعمـال بعض المبيدات إلى حدوث أضرار في النباتات الخضراء وبخاصـة للمحاصيـل الحساسة والضعيفة النمو. وإذا ما استخدمت المبيدات بتركيز عالٍ مـن العناصـر المشابهـة لها أو بتوقيت غير مناسب أدّى ذلك إلى حدوث أضرار كبيرة جداً، والتي منها حروق للأوراق أو حدوث تحوّر في أشكالها مما يؤدي إلى جفافها ثم سقوطها ثم موت النبات في نهاية الأمر.
وقد يحدث الضرر نتيجة لوصول المبيد إلى العصارة النباتية مما سيؤدي إلى حدوث خلل داخلي في النشاط النباتـي، ثـم توقـف عمليات التمثيل الغذائي، وهو أمر يتسبب في موت النبات في نهاية المطاف.
كما وتسبب بعض المبيدات فـي إبادة الغابات الخضراء. ففي حرب فيتنام استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مبيـد الحشائش لتعرية غابات الأشجار من أوراقها، وجعل تلك الغابات الكثيفـة عبارة عـن أعواد من الخشب كئيبة المنظر ليس بها من ورق أخضر، بل استعمل هذا المبيد في تدمير حقول الأرز.
وبناءً على ذلك فاللازم إيجاد رقابـة عالمية علـى المبيدات سواء مبيد الحشرات أو غير ذلك بعيداً عـن السياسـات الاستعماريـة وعن الغايات الاقتصادية حتى لا يتضرر الإنسان بالنتيجـة بهـا، أو يكون الضرر أقل من القليل، إلاّ أن الحضارة الحديثة لا تعير أية أهمية لهذه الأمور، لما ذكرنا سابقاً من فقدان الإيمان بالله سبحانه وتعالى والخروج عـن مظلّة الأنبياء، والأمران يسببان الانحراف عن الطريق المستقيم(13).