الإدارة البيئية السليمة للنفايات الصلبة – المدافن الصحية كمفاعلات حيوية

ملخص تنفيذي:
تواجه مسألة تطبيق الإدارة السليمة والمتكاملة للنفايات الصلبة في الوطن العربي بشكل عام تحديات وعوائق على الاصعدة الفنية والمالية والادارية. وماعدا بعض البلدان القليلة في المنطقة العربية فإن ما يزيد المشكلة صعوبة هو عدم وجود بيانات معلوماتية أو احصائية دقيقة أو عمليات جرد موثقة عن كميات هذه النفايات التي تنتج في هذه الدول بقطاعاتها المختلفة. على كل فقد جرت محاولات أولية في بعض دول المنطقة لتقدير كميات النفايات الخطرة فيها وذلك بربطها بناتجها الاجمالي المحلي وبالاستفادة من معاملات احصائية عالمية. ولا بد هنا من الاشارة أيضاً الى أنه بإستثناء بعض الدول المتميزة اقتصادياً فإن أعداد المرافق الفنية المتوفرة و المخصصة لنقل وتخزين ومعالجة وردم أو ترميد النفايات الصلبة هي قليلة جداً في الوطن العربي. وفي سبيل مواجهة تلك المشكلات المتعلقة بالازدياد المضطرد في كميات النفايات وإختلاف أنواعها مع تطور وتغير أنماط الاستهلاك لا بد من اتباع منهجية علمية متكاملة على المستويات المحلية والوطنية والاقليمية وتنفيذها حسب ما تقتضيه الحاجات والأولويات السائدة والتي تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية. على كل الاحوال فإنه إذا كان من المتعثر تطبيق أساليب الإدارة السليمة والآمنة للنفايات (أي من المهد الى اللحد) في بعض المناطق والمدن والبلديات بشكل تام ومتكامل، فلا مانع من النظر الى إختيار وتوظيف بعض عناصرها المهمة والعمل على إدماجها ومكاملتها بشكل تدريجي. وتبرز على هذا الصعيد أهمية مدافن (مرادم) النفايات الصحية كحلٍ مبدئي وفعّال قادر الى أن يوفر إلى حين بديلاً منفرداً لنظام إدارة النفايات المتكامل والشامل.

تعتبر مدافن النفايات الصحية، كمرحلة التخلص النهائي من النفايات، جزءاً مهماً ورئيسياً في استراتيجية الإدارة السليمة للنفايات، وعلى البلديات والسلطات المحلية في البلدان النامية أن تعتمد في خططها ضرورة إيجاد مواقع آمنة لتلقي وردم النفايات بحيث تكون قادرة على استيعاب الزيادة في حجم النفايات الناجمة في السنوات القادمة، فبدون تلك المواقع المنظمة لإدارة النفايات سوف يكون من العسير منع الطمر العشوائي والحرق غير المشروع وبالتالي من المستحيل درء التلوث في المجتمع وجواره والبيئة المحيطة به. وهنا لا بد من الاشارة الى أن المدافن الصحية هي في الحقيقة أنظمة هندسية لمعالجة وطمر النفايات والمخلفات ويجب تصميمها وتشغيلها ومراقبتها وفق مواصفات ومعايير علمية تحمي صحة الانسان والبيئة. وإذا كانت المعايير المتبعة في هذا المجال لا تحقق هذه الحماية المطلوبة، فلا بد من اتخاذ إجراءات تصحيحية فورية وخطوات وقائية لمنع وقوع مخاطرها في المستقبل. إن الرصد الدقيق والمستمر لمواقع ردم النفايات من حيث مدخلاتها ومخرجاتها سواءً الصلبة أوالسائلة أوانبعاثاتها الغازية وكذلك مراقبة احتمال تسرب ملوثاتها الى البيئة المحيطة يمثل العامل الأساسي في إنجاح عمليات المدافن الصحية كإحدى التقانات السليمة والفعّالة ضمن استراتيجية الإدارة البيئية المتكاملة للنفايات وكذلك في تحقيق غاياتها في حماية البشر وصحتهم وبيئتهم.

ومن الأساليب الحديثة المتبعة في هندسة المدافن الصحية هو بناؤها وتشغيلها كمفاعلات حيوية تماماً، حيث يمكننا من خلال التصميم الهندسي والتنفيذ العملي والتشغيل المنظم بإتباع طريقة إعادة تدوير العصارة (الرشاحة) السائلة الناتجة عن تحلل المواد العضوية (والمواد الأخرى) الموجودة في تركيب النفايات وتفاعلاتها ضمن مدافن النفايات خلال مراحل تحولها المختلفة، وبذلك يتم تطوير الطريقة التقليدية في الردم الصحي الى طريقة أكثر حيوية وديناميكية وذلك بجعل المدفن الصحي يعمل كمفاعل أرضي بيولوجي – كيميائي، يسرع ويحسن عمليات التحلل والتثبيت الحيوية ويوفر الطاقة الاستيعابية لتخزين ومعالجة العصارة الناتجة عنه ويزيد كمية الغازات البيولوجية (الميثان) الناجمة خلال عمليات التحلل والتي يمكن إستغلالها كمصدر من مصادر الطاقة. ومن المفيد أن نوضح بأن التصميم الهندسي للمدافن الصحية الحديثة والتي تعمل كمفاعلات حيوية يتألف بالإضافة إلى بطانة المدفن (الفردية أو المزدوجه) والغطاءات الترابية اليومية والبلاستيكية النهائية وشبكة جمع العصارة وتصريفها ونظام تجميع وإستخراج الغاز الحيوي (والموجودة جميعها في المدافن الصحية التقليدية) من كل من شبكة أنابيب تدوير العصارة وإعادة رشها وتوزيعها على سطوح طبقات النفايات المطمورة لضمان إنسيابها ضمن الطبقات المختلفة من خلال المسامات والأخاديد أو الخنادق والأنفاق الشاقولية والأفقية عالية المسامية أو من خلال المضخات والأنابيب المثقبة والموضوعة على مسافات منتظمة تؤدي الى التوزع المتوازن للعصارة ضمن المدفن. وتجدر الإشارة بأن نظام تجميع وإستخراج الغاز الحيوي يكون عادة مجهزاً بشفاطات وأجهزة سحب للغاز ليتم تجميعه بهدف المعالجة والإستعمال في إنتاج الطاقة بدلاً من تسربه البطئ إلى الهواء المحيط والمناطق المجاورة أو حرقة المباشر بواسطة شعلات اللهب. ويُدّعم هذا التصميم الهندسي أيضاً بأجهزة المراقبة والقياس البيئية وكذلك بآبار رصد المياه الجوفية وذلك لإلتقاط إشارات مبكرة عن أي إحتمال لوقوع التلوث. الشكل المرافق يوضح عناصر التصميم الهندسي لمدفن – المفاعل الحيوي الصحي.

ومما لا شك فيه أن المدافن الصحية الحديثة والتي تعتمد على إعادة تدويرالعصارة أو ما يعرف بمدافن المفاعلات الحيوية تعتبر خطوة متفوقة ومتقدمة على مدافن النفايات الصحية التقليدية والتي تخضع في تصميمها الى الارتشاح والعبور "وحيد المسلك" للعصارة، لأن مدافن تدوير العصارة، ومن خلال التحكم الكامل في تصميمها وإدارتها ورصدها، تقلل الى الحد الأدنى من مخاطر التلوث والتسرب الناجمة عن عمليات ردم النفايات والتخلص النهائي منها حيث أنها تساهم وبشكل كبير في تعديل وتخفيف سمّية النفايات والمواد بل وفي تحويلها الى مواد ومركبات غير سامة أو أقل خطورة على الإنسان والبيئة. وبناءً على ما سبق فلا بد من النظر الجاد في إمكانية استعمال مدافن المفاعلات الحيوية الحديثة في المنطقة العربية خاصة وأن كمية العصارة التي تنتج في كثير من مناطق الوطن العربي هي قليلة نسبياً نظراً للظروف المناخية الجافة والمطرية السائدة وبالتالي فإن متطلبات ومواصفات وعناصر هذه المدافن الهندسية سوف تكون أكثر مرونة وأقل صرامة وأخفض كلفة منها في الأقاليم الرطبة من العالم.